روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | طريق.. النصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > طريق.. النصر


  طريق.. النصر
     عدد مرات المشاهدة: 2213        عدد مرات الإرسال: 0

وحدة الأمة العربية.. إذا كانتِ الأمَّة العربية قد وقعتْ في نكبة مذهِلة، فإنَّ الحلَّ لإزالة النكبة، وبناء الأمجاد يجب أن يكون سبيلُه الجِدّ، وتَقصِّي الأسباب الموجِبة لها.
 
ومِن البديهي أن تكثر التخرُّصات، ويتشعب القول، وينحى باللوائم، كل حسب فَهْمه ومزاجه، ولكن هذا ليس سبيلَ الظفر والقيام من الكبوة، فذلك ممَّا يَزيد المأساة، ويُشتِّت القوى، ويدعو للتخاذل، وهذه أكبرُ عوامل الاضمحلال والتلاشي- وليس الهزيمةَ وحسب.
 
وكلُّ عربي لا يرضَى أن يكون في وضع كهذا، ولا يريد لأمَّته أن تصبحَ مبعثرةً يسودها النفور، وتُمزِّقها البغضاء، ويُقطِّعها الأعداءُ أوصالًا.
 
ذلك أمرٌ لا يرتاب فيه اثنان، ولا ينتطح فيه عَنْزان، ولكنَّ الطريق إلى الخلاص، والسبيل إلى النهوض هما محلُّ النظر، وتباين الآراء، وبالتبصُّر والتفكير السليم يمكن الوصولُ إلى معرفة الداء وعوارضه وأسبابه، وإدراك النجاة منه، والخلاص مِن مضاعفاته وأخطاره.
 
ولا يَغيب عن بال المتمعِّن في حال العرب أنْ يدرك أنَّ هناك أسبابًا جوهريَّة كانتِ النكبةُ نتيجةً لها، كما أنَّ هناك وسائلَ لاستعادة القوة، والطريق الصحيحة لبناء ما تَهدَّم، والنهوض من التعثُّر والكبوات، ونحاول أن نوردَ بعض تلك الأسباب والعوامل، فمِن أسباب النكبة:
 
1- البُعدُ عن الدِّين، وذلك بالدعوات الهدَّامة من اشتراكية شيوعية، وقومية ووطنية، تقطع صلتَها بالعقيدة الإسلامية- أو توهنها، إلى حيادية لا تلتزم الحق، والدفاع عن القضايا الإسلامية.
 
2- مقاومةُ بعض الزعماء العرب دعوةَ التضامن بين المسلمين، وشنُّ الحملات النكراء عليها، واتهامها بالرجعية، وخدمة الاستعمار والأحلاف المشبوهة. ولا شكَّ أنَّ هذه المقاومة قد عملتْ على تفتيت قوى الأمة الإسلامية، وعزلتِ العرب عن سائرِ المسلمين في كثير من الأحيان.
 
3- محاولةُ بعضِ الزُّعماء العرب قهْرَ البلدان العربية على أن تسيرَ في موكبه، وحسب ما يريد، واتِّباعه في المذاهب التي يعتنقها، والأفكار التي يرتئيها، وسعيه لإحداث الانقلابات والفِتن والاغتيالات؛ مما جعل العربَ يهتمُّون بمقاومة بعضهم، وينشغلون عن كيد العدوِّ وخططه العدوانية، فصاروا يشهرون سلاحَهم ضدَّ بعضهم، ويَسْفكون دماءَ العرب المسلمين في فتنة عمياء، وظلم صارخ، واستئساد على العُزَّل الأبرياء، حتى استعملوا الغازاتِ السامةَ، والقنابل الممنوع استعمالُها دوليًّا ضدَّ الأعداء!! فما بالك بالإخوة في العقيدة أو الجنس؟!
 
4- انشغالُ كثير من أجهزة الدعاية العربية بالسِّباب، وتطاول بعض ذوي الأجهزة الإعلامية الضخمة على باقي الدول العربية بالكلام البذيء، والطعْن الممقوت، وانصراف كثيرٍ من أجهزة الإعلام إلى تفنيد ما يُقال عنها، وما تُسبُّ به، فتركوا الميدان فسيحًا لإسرائيل، التي لم تقتصر على الدعاية المموهة لها، حيث وجدتِ الجوَّ خاليًا، بل جعلت من سِباب العرب مع بعضهم مادةً ثمينة تتندر بها عليهم، وتبرزها بينهم لإضعافهم، وإثارة الشحناء بينهم، وفي البلدان العالمية لإظهار العَرَب بمظهر الإزراء والانحطاط.
 
5- إفشاءُ الأسرار وإعلانُ المقرَّرات السياسيَّة، والمخطَّطات العسكرية، وقد دأبتْ بعض الدول العربية على إذاعة ما يُتَّخذ في المؤتمرات السرِّيَّة، وكشف المخططات الحربية، ورغم لفْت النظر والعِتاب، فما فتئوا سائرين على نهجهم، وقد أضرَّ هذا بالعرب كثيرًا، وكان من أهمِّ عوامل الهزيمة، حيث قدَّموا للعدو خدماتٍ جلَّى، وأمدوه بمعلومات لو بذَل الملايين في الحصول عليها لَعَجز عن نيلها[1].
 
6- التهديدات التي يكيلها بعضُ الزعماء العرب لإسرائيل بلا حِساب، من قذْف بالبحر، إلى إبادة كاملة إلى العَزْم على الهجوم عليها قريبًا؛ ممَّا جعل إسرائيل تستغلُّ هذه التصريحات؛ لتظهرَ أمام العالم بمظهر المظلوم الذي يريد أن يدافِعَ عن نفسه، بينما هي تخطِّط للهجوم، وتحشد الأسلحة والطائرات، وتعمل على صُنْع القنابل الذرية، وقد نالتْ عطفًا من الدول التي تهب لمساعدتها دائمًا، وحصلتْ على تأييد دول أخرى.
 
7- الغرور الذي سَيْطر على بعض زعماء العرب، فجعلهم يبالغون في تقدير قوَّتهم، وسِلاحهم وجيشهم، واستبدُّوا بالرأي دون باقي العرب، وامتنعوا من الجلوس مع الزعماء الآخرين للتشاورِ، وتقديرِ الموقِف تقديرًا سليمًا من الطيش والعنجهية.
 
8- ونتيجة لعدم التشاور والتنسيق في العمل، فإنَّ وصول الإمدادات جاء متأخِّرًا، وبعض الدول العربية لم تتمكَّن من إرسال قوات محاربة، أو تباطأت ظنًّا أن لا لزوم لقواتها، أو ردّ فِعل للموقف الاستبدادي، ومحاولة العزل التي بدتْ طلائعها في الأفق منذ مدة؛ لتصنِّفَ العرب إلى تقدميِّين ورجعيِّين، وإلى وطنيِّين وعملاء، وإلى اشتراكيِّين ومتأخرين.
 
9- اعتماد بعض زعماء العرب على الرُّوس، بدلًا من اعتمادهم على الله، حتى كادوا أن يجعلوهم آلهةً مع الله، وقد اعترفوا أخيرًا أنَّ من أسباب الهزيمة حُسنَ ظنهم بالروس، وركونَهم إلى مشورتهم، وأوامرهم، ومع كلِّ ما حَدَث فما زالوا يُعلِّقون أملهم بالكرملين، ويحسُّون أنهم سيقيمون حربًا عالمية من أجْل سواد عيونهم، أو أنهم سيدافعون عنهم حتى النَّفَس الأخير!!
 
10- إغفالُ بعض الدول العربية واجبَها في إعداد القوة، والتسلُّح الكافي، وبناء الملاجئ، والتدريب العسكري الإلزامي، والدِّفاع المدني، وكأنَّها تحسب الأيام رغَدًا كلها لا يعكره حرْب، ولا يزعجه قعقعةُ السلاح، هذه الأشياء كانتْ من أبرز عوامل النكبة.
 
معالم الطريق إلى النصر
أما طريق العلاج فهو يتمثَّل في أمور كثيرة، من أهمها:
1- الرجوع إلى الدِّين، والإيمان بالله، وتحكيم شرْعه، والجِهاد في سبيل الله، لا في سبيل المطمع الشخصي أو النعرات المفرِّقة، فقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل حَميةً، ويقاتل شجاعةً، ويقاتل رياءً، أيُّ ذلك في سبيل الله؟ فقال: "مَن قاتل لتكونَ كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله".
 
ولا بد من تثقيف النشْء بالثقافة الإسلامية، لا بالثقافات المسمومة المستوردة من الملحِدين الشيوعيِّين، وأضرابهم.
 
2- التضامن بين المسلمين، فالمسلِم أخو المسلِم في أيِّ مكان وزمان، ومهما كانتْ ألوانهم وأجناسهم وبلدانهم، ومهما تفاوتوا ثقافةً وثروةً وجاهًا، ومن الواجب التعاونُ بينهم لرَفْع راية الإسلام، والدِّفاع عن المعتقدات؛ ليبلغوا ما يَصبون إليه، وأنَّ الدول الإسلامية تستطيع أن تكملَ بعضها بعضًا في الاقتصاد والسياسة، والعسكرية والثقافة، وخلافها.
 
3- حسن التصرُّف في أموال المسلمين، وبذلها في مصارفها الصحيحة؛ لتكونَ دعامةً لقوَّة الأمة الإسلامية، وإعلاء شأنها، وإنهاضها من كبوتها.
 
4- طرْحُ الغرور واستعلاء بعض العرب على بعض، وأن يحترموا بعضَهم، ويتعاونوا على أُسس من التقدير والتفاهم، والمؤازرة لا باللَّغط والاستعلاء والسخرية، وكفى ما مرَّ بهم من تجارِبَ، وما قاسوه من محنٍ بإهمالهم هذا الواجب.
 
5- أن تكونَ أجهزةُ الإعلام عونًا لبعضها فيما يُعلِي شأنَ الأمَّة وفق دِينها، وعقيدتها الإسلامية، وأن تتضافر جهودُها لإفهام العالَم حقيقةَ القضية وعدالتها، وتفنيد مزاعم عدوِّها.
 
6- كتمانُ الأسرار العسكرية، والحِفاظ عليها من الذيوع والانتشار؛ حتى لا يستفيدَ العدوُّ من المعلومات التي تُذاع، ويستخدمها ضدَّ العرب والمسلمين، وحتى لا يُعطوه السلاح بأيديهم.
 
7- ترْك التهديدات الاستهلاكية، والعمل في صمْت، والتخطيط بلا ضجيج يفسد العمل، ويُبطِل مفعولَه، والإيضاح للرأي العام بأنَّ العرب يدرؤون شرورًا محدِقة بهم من الصِّهْيَونية ومَن يمالئونها.
 
8- الْتقاءُ الزعماء العرب، والتداول بصراحة، ووضْع الخطط الصحيحة، والسياسة الحكيمة، التي تضمن سيرَ العرب في خطٍّ سليم، وتعاونٍ مع البلدان الإسلامية الأخرى.
 
9- شعورُ كلِّ دولة عربية بواجبها حِيالَ اليهود المغتصبِين، وإدراكها لِمَا يُراد ببلادها من مؤامرات صهيونية استعمارية خطيرة، تكاد تنقضُّ عليها بين آونة وأخرى، ومساهمةُ كلِّ دولة عربية في إحباطها.
 
10- ألاَّ يركنوا إلى الرُّوس، ولا غيرهم، وإنما يعتمدون على الله، ويأخذون حِذْرَهم، ويستوردون السلاح من كلِّ مكان يجدونه فيه، ويُعبِّئون قواهم، ولا تبلغ بهم التبعية للدول الأجنبية حدًّا تجعلهم في موقف التابِع الذليل، وكأنَّ الدول الأجنبية، كبرى كانت أم صغرى، قد أضحتْ وصيةً عليهم، ولكن تضافر جهود العرب مع باقي إخوانهم المسلمين، ومع الاستعداد وامتثال أمْر الله، فإنَّهم جديرون بالنصْر، وواصلون إليه- إن شاء الله.
 
11- أن تُغيِّر بعض الدول العربية مِن أسلوبها، وأن تستعدَّ، وتنظر للأمور نظرةً جادة، تتفق وخطورةَ الموقف، وما يتطلَّبه من اتِّخاذ الوسائل والاحتياطات، وأن يكونوا على أُهْبة الاستعداد لخوْض غِمار الحرب، مزودين بالعُدَّة والعتاد، واثقين بنصْر الله لهم، مؤمنين بأنَّ الله ينصر مَن نصره.
 
وما أحسب العرب حين يفعلون ذلك إلا بالِغين ما يأملون، ومُثبِتين للعالَم أنَّ المسلِم الحق لا يبالي بالأعداء مهما كثروا، ولا يجبن عن اللِّقاء، ولا يتخلَّف عن داعي الجهاد، وأنَّ المسلمين الذين فتحوا الأندلس والسِّند لهم أحفادٌ يَسيرون على منوالهم، ويُعيدون تاريخهم من جديد.
 
[1] قال الملك حسين في كتابه (حربنا مع إسرائيل): ومهما يكن من أمر كانت إذاعة صوت العرب تبث بالتدريج هذه المعلومات الضئيلة التي كان يقطرها لنا الرادار، كما كانت تذيع أخبارَ تحرُّكات القوات العراقية، كانوا يعتقدون في القاهرة أنهم يتصرَّفون تصرفًا حسنًا، ربما كانوا يفكِّرون أنَّ هذا الأسلوب يرفع معنوياتِ القوات الخلفية.

على أي حال لم يكن أمامَ الإسرائيليين إلاَّ أن يستمعوا إلى إذاعة صوت العرب-ولم يحرموا أنفسهم ذلك- لإحباط جهودنا بفعالية، وبأقل المجازفات! هكذا بدءوا منذ اليوم الثاني للنِّزاع يقصفون كلَّ ما يتحرك على الطرق، وبصورة خاصة في هذه المنطقة الممتدة من ساحة المعركة، حتى مطارات هـ 3، والحبانية قرب بغداد". "حربنا مع إسرائيل" (ص: 64).

الكاتب: د. الشيخ زيد الفياض

المصدر: شبكة الألوكة